فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



واختار الكسائي وثعلب قراءة علي عليه السلام، وقد رُويت عن ابن عباس، وأبي رزين، وسعيد بن جبير، وابن يعمر.
واحتج من نصرها بأنه لما نَسَبَ موسى إِلى أنه مسحور، أعلمه بصحة عقله بقوله: {لقد علمتُ} والقراءة الأولى أصح، لاختيار الجمهور، ولأنه قد أبان موسى من المعجزات ما أوجب علم فرعون بصدقه، فلم يردّ عليه إِلا بالتعلل والمدافعة، فكأنه قال: لقد علمتَ بالدليل والحجة {ما أنزل هؤلاء} يعني الآيات.
وقد شرحنا معنى البصائر في [الأعراف: 203].
قوله تعالى: {وإِني لأظنك} قال أكثر المفسرين: الظن هاهنا بمعنى العِلم، على خلاف ظن فرعون في موسى، وسوّى بينهما بعضهم، فجعل الأول بمعنى العِلم أيضًا.
وفي المثبور ستة أقوال.
أحدها: أنه الملعون، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الضحاك.
والثاني: المغلوب، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثالث: الناقص العقل، رواه ميمون بن مهران عن ابن عباس.
والرابع: المُهْلَك، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال أبو عبيدة، وابن قتيبة.
قال الزجاج: يقال: ثُبر الرجل، فهو مثبور: إِذا أُهلك.
والخامس: الهالك، قاله مجاهد.
والسادس: الممنوع من الخير؛ تقول العرب: ما ثبرك عن هذا، أي: ما منعك، قاله الفراء.
قوله تعالى: {فأراد أن يستفزَّهم من الأرض} يعني: فرعون أراد أن يستفزَّ بني إِسرائيل من أرض مصر.
وفي معنى {يستفزَّهم} قولان:
أحدهما: يستأصلهم، قاله ابن عباس.
والثاني: يستخفّهم حتى يخرجوا، قاله ابن قتيبة.
وقال الزجاج: جائز أن يكون استفزازُهم إِخراجَهم منها بالقتل أو بالتنحية.
قال العلماء: وفي هذه الآية تنبيه على نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه لما خرج موسى فطلبه فرعون، هلك فرعون وملَك موسى، وكذلك أظهر الله نبيَّه بعد خروجه من مكة حتى رجع إِليها ظاهرًا عليها.
قوله تعالى: {وقلنا من بعده} أي: من بعد هلاك فرعون {لبني إِسرائيل اسكنوا الأرض} وفيها ثلاثة أقوال.
أحدها: فلسطين والأردنّ، قاله ابن عباس.
والثاني: أرضٌ وراء الصِّين، قاله مقاتل.
والثالث: أرض مصر والشام.
قوله تعالى: {فإذا جاء وعد الآخرة} يعني: القيامة {جئنا بكم لفيفًا} أي: جميعًا، قاله ابن عباس، ومجاهد، وابن قتيبة.
وقال الفراء: لفيفًا، أي: مِنْ هاهنا ومِن هاهنا.
وقال الزجاج: اللفيف: الجماعات من قبائل شتى. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ}.
اختلف في هذه الآيات؛ فقيل: هي بمعنى آيات الكتاب؛ كما روى الترمذي والنسائي عن صفوان بن عسّال المراديّ أن يهوديين قال أحدهما لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبيّ نسأله؛ فقال: لا تقل له نبيّ فإنه إن سمعنا كان له أربعة أعين؛ فأتيا النبيّ صلى الله عليه وسلم فسألاه عن قول الله تعالى: {ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تشركوا بالله شيئًا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق ولا تسرقوا ولا تسحروا ولا تمشوا ببريء إلى سلطان فيقتله ولا تأكلوا الربا ولا تقذفوا محصنة ولا تفرّوا من الزحف» شك شعبة «وعليكم يا معشر اليهود خاصة ألا تعدوا في السبت» فقبلا يديه ورجليه وقالا: نشهد أنك نبيّ.
قال: «فما يمنعكما أن تسلما» قالا: إن داود دعا الله ألا يزال في ذريته نبيّ وإنا نخاف إن أسلمنا أن تقتلنا اليهود قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وقد مضى في البقرة.
وقيل: الآيات بمعنى المعجزات والدلالات. قال ابن عباس والضحاك: الآيات التسع: العصا واليد واللسان والبحر والطوفان والجراد والقُمّل والضفادع والدم؛ آيات مفصَّلات. وقال الحسن والشعبيّ: الخمس المذكورة في الأعراف؛ يعنيان الطوفان وما عطف عليه، واليد والعصا والسنين والنقص من الثمرات. وروي نحوه عن الحسن؛ إلا أنه يجعل السنين والنقص من الثمرات واحدة، وجعل التاسعة تلقّف العصا ما يأفكون.
وعن مالك كذلك؛ إلا أنه جعل مكان السنين والنقص من الثمرات: البحر والجبل.
وقال محمد بن كعب: هي الخمس التي في الأعراف والبحر والعصا والحجر والطمس على أموالهم. وقد تقدّم شرح هذه الآيات مستوفًى والحمد لله.
{فاسأل بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ} أي سلهم يا محمد إذ جاءهم موسى بهذه الآيات، حسبما تقدّم بيانه في يونس. وهذا سؤال استفهام ليعرف اليهود صحة ما يقول محمد صلى الله عليه وسلم.
{فقال له فِرْعَون إنّي لأظنّك يا مُوسى مَسْحُورًا} أي ساحرًا بغرائب أفعالك؛ قاله الفراء وأبو عبيدة. فوضع المفعول موضع الفاعل؛ كما تقول: هذا مشؤوم وميمون، أي شائم ويامن.
وقيل مخدوعًا. وقيل مغلوبًا؛ قاله مقاتل. وقيل غير هذا؛ وقد تقدّم.
وعن ابن عباس وأبي نهيك أنهما قرأا {فسأل بني إسرائيل} على الخبر؛ أي سأل موسى فرعون أن يخلي بني إسرائيل ويطلق سبيلهم ويرسلهم معه.
قوله تعالى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هؤلاء} يعني الآيات التسع. و{أنزل} بمعنى أوجد. {إِلاَّ رَبُّ السماوات والأرض بَصَآئِرَ} أي دلالات يستدل بها على قدرته ووحدانيته. وقراءة العامة {علمت} بفتح التاء، خطابًا لفرعون.
وقرأ الكسائي بضم التاء، وهي قراءة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه؛ وقال: والله ما علم عدوّ الله ولكن موسى هو الذي علم، فبلغت ابن عباس فقال: إنها {لقد علمت} واحتج بقوله تعالى: {وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}. ونسب فرعون إلى العناد.
وقال أبو عبيد: والمأخوذ به عندنا فتح التاء، وهو الأصح للمعنى الذي احتج به ابن عباس؛ ولأن موسى لا يحتج بقوله: علمت أنا، وهو الرسول الداعي، ولو كان مع هذا كلّه تصح به القراءة عن عليّ لكانت حجة، ولكن لا تثبت عنه، إنما هي عن كلثوم المراديّ وهو مجهول لا يعرف، ولا نعلم أحدًا قرأ بها غير الكسائي.
وقيل: إنما أضاف موسى إلى فرعون العلم بهذه المعجزات؛ لأن فرعون قد علم مقدار ما يتهيأ للسحرة فعله، وأن مثل ما فعل موسى لا يتهيأ لساحر، وأنه لا يقدر على فعله إلا من يفعل الأجسام ويملك السموات والأرض.
وقال مجاهد: دخل موسى على فرعون في يوم شات وعليه قطيفة له، فألقى موسى عصاه فإذا هي ثعبان، فرأى فرعون جانبي البيت بين فُقْمَيْها، ففزع وأحدث في قطيفته.
الفقم بالضم اللحى، وفي الحديث: «من حفظ ما بين فقميه» أي ما بين لحييه.
{وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يافرعون مَثْبُورًا} الظن هنا بمعنى التحقيق.
والثبور: الهلاك والخسران أيضًا.
قال الكُمَيْت:
ورأتْ قُضاعة في الأيَا ** مِن رأي مَثْبُورٍ وثابر

أي مخسور وخاسر، يعني في انتسابها إلى اليمن.
وقيل: ملعونًا رواه المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
وقاله أبان بن تغلب.
وأنشد:
يا قومنا لا تَرُومُوا حَرْبَنَا سَفَهًا ** إنّ السَّفاه وإن البَغْيَ مثبورُ

أي ملعون.
وقال ميمون بن مهران عن ابن عباس: {مثبورًا} ناقص العقل.
ونظر المأمون رجلًا فقال له: يا مثبور؛ فسئل عنه قال: قال الرشيد قال المنصور لرجل: مثبور؛ فسألته فقال: حدثني ميمون بن مهران.. فذكره.
وقال قتادة هالكًا، وعنه أيضًا والحسن ومجاهد: مهلكًا، والثّبُور: الهلاك؛ يقال: ثَبَر الله العدوّ ثبورًا أهلكه، وقيل: ممنوعًا من الخير، حكى أهل اللغة: ما ثبرك عن كذا أي ما منعك منه، وثبره الله يثبره ويُثَبِّره لغتان.
قال ابن الزِّبَعْرَى:
إذ أُجاري الشيطان في سنَن الغَ ** يّ ومن مال مَيْلَه مثبور

الضحاك: {مثبورًا} مسحورًا.
ردّ عليه مثل ما قال له باختلاف اللفظ.
وقال ابن زيد: {مثبورًا} مخبولًا لا عقل له.
قوله تعالى: {فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الأرض} أي أراد فرعون أن يخرج موسى وبني إسرائيل من أرض مصر إما بالقتل أو بالإبعاد؛ فأهلكه الله عز وجل.
{وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ} أي من بعد إغراقه.
{لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسكنوا الأرض} أي أرض الشأم ومصر.
{فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخرة} أي القيامة {جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} أي من قبوركم مختلطين من كل موضع، قد اختلط المؤمن بالكافر لا يتعارفون ولا ينحاز أحد منكم إلى قبيلته وحَيّه.
وقال ابن عباس وقتادة: جئنا بكم جميعًا من جهات شتّى.
والمعنى واحد.
قال الجوهري: واللفيف ما اجتمع من الناس من قبائل شتى؛ يقال: جاء القوم بلفّهم ولفيفهم، أي وأخلاطهم.
وقوله تعالى: {جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} أي مجتمعين مختلطين.
وطعام لفيف إذا كان مخلوطًا من جنسين فصاعدًا.
وفلان لفيف فلان أي صديقه.
قال الأصمعي: اللفيف جمعٌ وليس له واحد، وهو مثل الجميع.
والمعنى: أنهم يخرجون وقت الحشر من القبور كالجراد المنتشر، مختلطين لا يتعارفون.
وقال الكلبي: {فإذا جاء وعد الآخرة} يعني مجيء عيسى عليه السلام من السماء. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ}
ولما حكى الله تعالى عن قريش ما حكى من تعنتهم في اقتراحهم وعنادهم للرسول صلى الله عليه وسلم سلاه تعالى بما جرى لموسى مع فرعون ومع قومه من قولهم {أرنا الله جهرة} إذ قالت قريش {أو تأتي بالله} وقالت {أو نرى ربنا} وسكن قلبه ونبه على أن عاقبتهم للدمار والهلاك كما جرى لفرعون إذ أهلكه الله ومن معه.
و{تسع آيات} قال ابن عباس وجماعة من الصحابة: هي اليد البيضاء، والعصا، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم هذه سبع باتفاق، وأما الثنتان فعن ابن عباس لسانه كان به عقد فحلها الله، والبحر الذي فلق له.
وعنه أيضًا البحر والجبل الذي نتق عليهم.
وعنه أيضًا السنون ونقص من الثمرات وقاله مجاهد والشعبي وعكرمة وقتادة.
وقال الحسن: السنون ونقص الثمرات آية واحدة، وعن الحسن ووهب البحر والموت أرسل عليهم.
وعن ابن جبير الحجر والبحر.
وعن محمد بن كعب: البحر والسنون.
وقيل: {تسع آيات} هي من الكتاب، وذلك أن يهوديًا قال لصاحبه: تعالى حتى نسأل هذا النبيّ فقال الآخر لا تقل إنه نبيّ فإنه لو سمع كلامك صارت له أربعة أعين، فأتياه وسألاه عن {تسع آيات بينات} فقال: لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تأكلوا الربا، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان ليقتله، ولا تسخروا، ولا تقذفوا المحصنات، ولا تفروا من الزحف، وعليكم خاصة يهود أن لا تعتدوا في السبت، قال: فقبلا يده وقالا: نشهد أنك نبيّ فقال: ما منعكما أن تسلما؟ قالا: إن داود دعا الله أن لا يزال في ذريته نبيّ وإنّا نخاف إن أسلمنا تقتلنا اليهود.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
وقرأ الجمهور: فسل {بني إسرائيل} وبنو إسرائيل معاصروه، وفسل معمول لقول محذوف أي فقلنا سل، والظاهر أنه خطاب للرسول محمد صلى الله عليه وسلم أمره أن يسألهم عما أعلمه به من غيب القصة.
ثم قال: {إذ جاءهم} يريد آباءهم وأدخلهم في الضمير إذ هم منهم.
وقال الزمخشري: سلهم عن إيمانهم وعن حال دينهم، أو سلهم أن يعاضدوك وتكون قلوبهم وأيديهم معك.
ويدل عليه قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم.